"القدس المفتوحة" تنير ظلمة سجون الاحتلال وتؤهل الأسرى للحياة


نشر بتاريخ: 17-02-2019

 خرّجت نحو (3500) أسير محرر و(824) أسيراً داخل المعتقلات ملتحقين ببرنامجها التعليمي

رام الله- "ينابيع"- "عندما خرجت من السجن بعد أن قضيت فيه (22) عامًا، كنت مقبلاً على الحياة كمن ولد حديثًا. كان عليّ أن أوفق بين حياتي الاجتماعية والتعليمية والمهنية وأمور أخرى، لذا قرّرت أن ألتحق بجامعة القدس المفتوحة متخصصاً في "الاجتماعيات"، كي أتمكن من إنهاء تعليمي دون أن يحول بيني وبين متطلبات الحياة"، يقول الأسير المحرر خريج الجامعة سعيد التميمي.
        أما أحمد مصفر، الذي قبع في السجن (13) عامًا، فقد التحق بُعيد خروجه من الأسر بفرع جامعة القدس المفتوحة في رام الله والبيرة، متخصصاً في "التربية الخاصة" بكلية العلوم التربوية، وتخرج فيها الفصل الماضي (1180)، ولمّا سألناه: لماذا اخترت جامعة القدس المفتوحة لإكمال تعليمك؟ أجاب: "شعرت بأن الجامعة وفرت لي تعاملاً مميزًا جدًا كوني أسيرًا محررًا، فهي جامعة وطنية بامتياز، كما أنني لم اضطر للالتزام بدوام يومي كي أحصل على شهادتي، وهذا فارق في غاية الأهمية لنا نحن الذين خرجنا للتو من الأسر، ونبحث عن استغلال كل فرصة ممكنة لاستكمال حياتنا الطبيعية".
إن جامعة القدس المفتوحة تؤمن بأن دعم تعليم الأسرى، سواء داخل سجون الاحتلال أو بعد تحررهم، يعدّ جزءًا من دعم القضية الفلسطينية، عبر تعزيز صمود هؤلاء الأسرى داخل السجون من خلال إيصال التعليم لهم، وذلك عبر الاتفاقية التي وقتعها الجامعة مع هيئة شؤون الأسرى والمحررين، إضافة إلى المساهمة في دمج الأسرى المحررين في المجتمع مرة أخرى عبر التعليم.
 
تعليم داخل السجون لتأهيلهم قبل التحرر
يبيّن مساعد رئيس الجامعة لشؤون الطلبة أ. د. محمد شاهين أن الجامعة تقدّر تضحيات الأسرى، وترى أن من واجبها، ضمن مسؤولياتها الوطنية والاجتماعية ورسالتها التعليمية، أن تقدم خدماتها لكل مكونات المجتمع الفلسطيني، وأن تسعى للوصول إلى الطالب أينما وجد، ومهما كانت ظروفه الاقتصادية أو الاجتماعية أو الأمنية، وعلى رأس هؤلاء جميعاً الأسرى داخل السجون الإسرائيلية والمحررون منهم. وعلى الرغم من كثير من المعوقات فقد بادرت الجامعة إلى البدء في تطبيق برنامج تأهيل الأسرى منذ عام 2002، ثم في العام 2010، وصولاً إلى تنظيم برنامج تعليمي يكفل للأسرى داخل السجون الإسرائيلية الحق في الالتحاق بالتعليم الجامعي من خلال جامعة القدس المفتوحة، وضمن آليات وإجراءات محددة وردت في مذكرة التفاهم الموقعة بتاريخ 23/02/2014م بين وزارة التربية والتعليم العالي بصفتها راعية للبرنامج، ووزارة شؤون الأسرى والمحررين في حينه بصفتها جهة مشرفة ومسؤولة عن البرنامج، وجامعة القدس المفتوحة بصفتها المنفذة للبرنامج". 
ويضيف شاهين: "لقد تطلع الأسرى دوماً إلى الحصول على حقهم في التعليم العالي استكمالاً لحقهم الذي مارسوه بصعوبة في الحصول على شهادة الثانوية العامة، وأوقف لسنوات بناء على ما يسمى "قانون شاليط"، وذلك لما يمثله تعليم الأسرى من رد على غطرسة المحتل وجبروته، وتحويل أحلامهم إلى واقع من خلال تغيير واقع السجن إلى مدراس وجامعات يستثمرون من خلالها أوقات فراغهم، وانعكاس ذلك على حالتهم النفسية وصمودهم وصبرهم، وضمان مستقبلهم بعيداً عن نظرة العطف بعد التحرر، بل يجعلهم متمكنين وحاصلين على شهادات وإنجازات علمية وأكاديمية تؤهلهم للحصول على مكانة وظيفية لائقة".
 
تعليم شرعي داخل السجون
يبلغ عدد الأسرى المحررين الذين اختاروا "القدس المفتوحة" لإكمال تعليمهم الجامعي نحو (3500) أسير محرر، أما الذين هم داخل السجون الإسرائيلية فيبلغ عددهم (824) أسيراً، موزعين على خمسة سجون، هي: أيشل (نفحة)، وجلبوع، والنقب، و"ريمون"، وعسقلان.
وقد تخرج من هؤلاء حتى الآن عشرة طلبة فقط، ذلك أن البرنامج انطلق حديثاً، أي في العام الدراسي (2014/2015).
وقد حددت معايير مقننة للسجون التي يسمح بفتح البرنامج فيها، من أهمها توافر لجنة إشراف على عملية التعليم داخل السجن تضم ما لا يقل عن خمسة أسرى يحملون شهادة الماجستير كحد أدنى، وأن تتوافر الكتب المقررة للتخصصات المحددة في داخل السجن، وتتكون السنة الدراسة من فصلين فقط، حددت خلالهما آليات المتابعة والإجراءات الأكاديمية، والامتحانات، والعلاقات، وشروط الملتحقين من الأسرى التي تستهدف المحكومين بفترات لا تقل عن ثلاث سنوات للالتحاق بالبرنامج. وقد شملت مذكرة التفاهم تفاصيل دقيقة ومحددة لكل الشروط والإجراءات والمسؤوليات في هذا البرنامج لضمان جودته ومخرجاته، وفي إطار لا يقل ضبطاً عن تلك الإجراءات التي تنفذها الجامعة في عمليتها التعليمية، آخذين بالاعتبار الحدود والشروط التي تفرضها ظروف الأسر داخل السجون الإسرائيلية.
ويؤكد أ. د. شاهين أن الجامعة توفر برنامجاً موحداً لتعليم الأسرى الطلاب في السجون الإسرائيلية، يطرح من خلال أربعة تخصصات، هي: الخدمة الاجتماعية، واللغة العربية، والتربية الإسلامية، والاجتماعيات، وذلك عملاً بواقع هذه السجون، وإمكانيات المتابعة عبر اللجان التعليمية المشرفة والطلبة الملتحقين بالبرنامج.
ويضيف أن جامعة القدس المفتوحة كانت أولى مؤسسات التعليم العالي التي بدأت محاولاتها في توفير برنامج تعليمي للأسرى داخل السجون الإسرائيلية على مستوى التعليم العالي منذ العام 2002، وأجهضت المحاولة بعد البدء بها بسبب إجراءات الاحتلال التي استهدفت البرنامج، ومن خلال تنقلات عديدة بين الأسرى في السجون، ومصادرة الكتب المقررة التي أدخلت إلى السجون، وإجراءات تعسفية أخرى. ثم أعادت الجامعة الكرة في العام 2010، واستمرت ثلاثة فصول، وانتهت بسبب التفكير في تنظيم العملية التعليمية داخل السجون الإسرائيلية، وتوقيع مذكرة التفاهم في العام 2014، وبخاصة بعد أن انسحبت الجامعة المفتوحة الإسرائيلية في حزيران 2011، التي مارست نشاطها بقرار من إدارة السجون بعد إضراب الأسرى الذي كان أحد المطالب فيه توفير التعليم العالي للأسرى داخل السجون منذ العام 1992، والذي تعزز في العام 2001، والتحق عشرات الأسرى من خلاله بالجامعة المفتوحة في إسرائيل، وتخرج البعض منهم، بينما استكمل آخرون دراستهم في جامعة القدس المفتوحة".
تقدم جامعة القدس المفتوحة منذ العام 2015م برنامجاً للتعليم على مستوى الدراسات العليا، وفي سجن واحد، يلتحق به عدد محدود من الطلبة.
ويؤكد شاهين أن جامعة القدس المفتوحة هي المؤسسة الرئيسة التي توفر خدمة التعليم العالي في السجون الإسرائيلية عبر آليات وإجراءات مقننة وشفافة، وبجودة عالية تتوافق وظروف السجون وأوضاع الأسرى. ويشمل البرنامج مئات الأسرى، ويتوقع أن يشمل معظم السجون التي تتوافر فيها معايير فتح البرنامج استكمالاً للسجون الخمسة المنفذ فيها البرنامج حالياً، وأن تصل أعداد الأسرى في البرنامج إلى الآلاف، مع أملنا دوماً بأن ينال كل أسرانا حريتهم، ويلتحقوا بالجامعة في فروعها التعليمية ليلقوا حقهم في التعليم في هذه الفروع مع طلبة الجامعة كافة.
 
بداية ثورة أكاديمية في السجون
        خلال تسليم رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين السابق، عيسى قراقع، عائلة الأسير محمد زواهرة (المحكوم بالسجن المؤبد منذ عام 2002م، وهو من سكان قرية المعصرة قضاء بيت لحم) شهادة التخرج بدرجة البكالوريوس في تخصص الحاسوب، والتي حصل عليها بنجاح أثناء دراسته داخل السجن ضمن برنامج التعليم الذي تشرف عليه جامعة القدس المفتوحة، وبالتنسيق مع هيئة شؤون الأسرى.. يشيد قراقع بدعم جامعة القدس المفتوحة للأسرى من أجل استكمال تعليمهم الجامعي، مبينًا أن هذا خلق ثورة أكاديمية داخل السجون وشكل جزءًا من تحدي إجراءات مصلحة السجون، وأعطى الأمل والحياة والمستقبل للأسرى كافة، وقال: "الشهادة الجامعية هي شهادة حرية وعلى طريق التحرر من سجون الاحتلال، وهو حراك ثقافي وفكري وتعليمي، وبفضله استبدلوا بأرقام السجن الجرداء والصماء أرقاماً جامعية، ما يؤكد تطلعهم إلى الحياة والحرية وبناء المستقبل".