مع تكرار النزوح.. الطالب الغزي عمار: كأنها تحثني.. "امض فنحن معك"
كنت أعيش تفاصيل الدراسة لحظة بلحظة، بخطى ثابتة. وبكل حماسة، سجلت في فصل دراسي يضم مساقات تمهّد لمشروع التخرج. ولكنها الحرب؛ داهمتنا فجأة لتحطم فينا كل طموح.
ويواصل الطالب عمار شعبان قوله: اشتد القصف على شمال غزة، فاضطررنا للنزوح جنوبًا ولا نرى سوى الدمار.
"كأن الحروف تهتز مع جنازير دباباتهم"
ويتابع طالب "الإعلام الجديد" بجامعة القدس المفتوحة: تقطعت بنا سبل الحياة، واشتد الجوع وأخذ ينهش أجسامنا ويلتهم معها الأحلام. بدوت كأنني في صراع بين توفير الخبز وإكمال دراستي. نعم قررت: سأسجّل في الفصل الثاني.
اقترب موعد الامتحانات النهائية، واقتربت معه دبابات الاحتلال تجتاح جباليا، حتى شعرت بأن حروف الكتاب تهتز بين يدي. نزحنا إلى الشاطئ بحثًا عما نقنع أنفسنا أنها منطقة آمنة. لا مكان آمناً في غزة.
"سجلت وانسحبت... وسجلت"
هناك، في مركز إيواء تابع لوكالة الأونروا، حيث لا كهرباء ولا إنترنت ولا وسائل تعينني على دراستي، حُرمت من أبسط الإمكانات التي تمكنني من الاستفادة مما قدمته لي جامعتي من تعليم مجاني ووفرت كل ما يمكن توفيره.
كنت أتنقّل يوميًا إلى أماكن بعيدة بحثًا عن إشارة إنترنت عابرة، لكن الحياة كانت أقسى من أن تمنحني فرصة، فاضطررت لسحب الفصل الدراسي.
تأخرت فصلًا دراسيًا، فهل أنكس راية الحلم؟ بل عدت؛ سجّلت في الفصل الأول، وكنت أعمل في حي النزوح بائعاً أمام "بسطة" صغيرة.
واقع أروّضه
كان لا بد من التنسيق بين العمل والدراسة. اجتهدت في المساقات العملية التي تطلبت حضورًا وجهدًا مضاعفًا.
يقول عمار: "كان النجاح في ذلك الفصل أشبه بانتصار صغير في معركة كبيرة، أثبتُّ لنفسي بأنني أملك الطريق والهدف، وأنه ليس حلماً، بل واقع نروضه.
وخلال الهدنة، عدنا إلى شمال غزة. سكنا في أرض تابعة لأقاربنا، بلا أدنى مقومات للحياة، لكنها العزيمة.
لم أكن وحدي
التحقت مباشرة بالفصل الثاني، وها أنا اليوم أتابع مشروع التخرج، إلى جانب التدريب العملي، رغم انقطاع مستمر للكهرباء والإنترنت، وقسوة عيش لا تصورها كلمات.
كان كل شيء في الجامعة يغذي فيّ إصراراً بأن "امض فنحن معك"؛ حاضرة بدعمها، بإعفاءاتها، بتسهيلاتها في الوصول إلى المنصات التعليمية، وبدفئها الإنساني والأكاديمي الذي منحني شعورًا عميقًا بأنني لست وحدي.