فن إدارة الذات.. أن تكون عمليا


نشر بتاريخ: 17-02-2019

إياد إشتية*
                                                          
 
استقبلت السنة الجديدة في قراءة أحد روائع كتب التطوير الذاتي وهو كتاب قوة التحكم في الذات لأستاذي وملهمي د. إبراهيم الفقي رحمه الله، أدهشني ما تناوله الكتاب في الحديث عن أسباب السلوك البشري التي وزعها ما بين الاعتقاد، ووجهة النظر إلى الأحداث والعواطف، والتحدث مع الذات، الذي وصفه بالقاتل الصامت ومصدره المجتمع والأسرة والزملاء والأصدقاء والاعلام والشخص نفسه، وقال بأن (90%) من مفاهيمنا تتشكل في السنوات السبع الأولى وبأنه على أساس هذه المفاهيم نتحدث مع نفسنا، وشدني ما ورد بين سطور الكتاب أن لكل أمر ثلاث وجهات نظر: وجهة نظرك ووجهة نظر الشخص الأخر ووجهة النظر السليمة، لتنتهي رحلة الكتاب بخلاصة ضرورة إبعاد كل تفكير سلبي عند التحدث مع الذات، وإلى ضرورة بحث صحة المعتقدات والتفكير بها، وعدم ترك العواطف لتتحكم بنا وضرورة الثقة بطاقاتنا وقدراتنا، وأن نتميز في إدارة ذواتنا من خلال أن نكون عمليين أكثر.
استوقفني هذا الكتاب للبحث أكثر في مفهوم إدارة الذات التي تعني قدرة الفرد على توجيه مشاعره وأفكاره وإمكاناته نحو الأهداف التي يصبوا إلى تحقيقها، فالذات هي ما يملكه الشخص من مشاعر وأفكار وإمكانات وقدرات، وأدارتها يعني استثمار ذلك كله الاستثمار الأمثل في تحقيق الأهداف والآمال.
وهذه القدرات منها ما هو موجود فينا بالفعل، ومنها ما نحتاج أن نكتسبه بالممارسة والتمرين، ومن المهم جداً عند إدارة ذواتنا أن نحدد هدف معين، لنعرف ماذا سنفعل غداً، فالتخطيط في إدارة الذات هو الذي يجعل أهمية المرء تأتي قبل الحدث.
إن الكثير منا لا يدرك ما معنى الزمن، فلو سئلنا أنفسنا عن معرفتنا بمجال معين وكنا لا نعرف عن هذا المجال شيء، ووضعنا خطة، وقلنا ماذا سنتعلم أو سنعرف عن هذا المجال في الخمس سنوات القادمة، وقمنا بتجزئة الهدف، وتقييم مراحل التقدم بشكل دوري سيجعلنا ذلك نشعر بأهمية الزمن وتجعلنا ندرك كم من الوقت يضيع كل يوم في تسويف الأمور أو بانتظار حدث يجب أن يحدث لنقوم بالتغير في نمط حياتنا أو البدء بعمل ما، يمكننا دائماً تغير الخطة، لكن فقط عندما تكون لدينا خطة فعالة، ولذلك لا بد أن نكون عمليين.
وأن تكون عملياً يعني أنك تستفيد من الوقت المتاح لديك، وتقلل من الضغوطات التي تحيط بك، وأن تربطك علاقات طيبة مع الآخرين، وتطوّر إمكاناتك الذاتية بشكل مدروس ومستمر، وللوصول إلى أعلى مستوى من العملية، هناك أمور هامة لابد من القيام بها، تتمثل أولها بتحديد الأهداف، وهي الخطوة الحيوية الأولى باتجاه التخطيط لتحقيقها، وإلى أن يتم تنفيذها فإنك ستظل تواجه خطورة تتعلق بالتطبيق الخاطئ لوسائلك أو إمكاناتك، فمادامت هذه الوسائل محدودة فإن أي سوء استخدام لها سيقلل من قدرتك على تحقيق أهدافك. 
كذلك تحسين إنتاجيتك، حتى تتمكن من استخدام وسائلك بشكل فعّال، فقياسك لتقدمك باتجاه تحقيق أهدافك سيبين لك مدى قدرتك على القيام بذلك، وقبل أن تمضي قدماً نحو تحقيق هدفك لابد أن تأخذ قسطاً من الوقت كي تنظم تفكيرك، وتحاول كتابة أهدافك على الورق لتعرف ما تهدف إليه. 
وعندما تكتب أهدافك حاول أن تصيغها كأحداث لا كأنشطة، لأن قياس التقدم حيال الأحداث أيسر منه حيال الأنشطة، وحاول أن تكون دقيقاً في تحديد أهدافك، ورتّبها حسب أهمية كل واحد منها. 
إن تحقيق تلك الأهداف سيتطلب سلعتين نادرتين هما الوقت والجهد، ولو أنك فقط تمكنت من إيجاد كليهما والاستفادة المثلى منهما فسيكون من السهل عليك تحقيق جميع الأهداف. 
عند إدارتك لذاتك ولكي تكون عملياً أكثر لا بد من زيادة الإنتاجية الشخصية، والإنتاجية الشخصية هي مقياس لما نحصل عليه في حياتنا مقارنة بما نبذله من أجل ذلك. فهي العلاقة بين ما نحصل عليه من إنتاج ومقدار ما نملكه من إمكاناتنا الشخصية، ومشكلتنا الوحيدة فقط هي أننا لن نكون قادرين على قياس إنتاجيتنا بدقة إلا إذا حددنا بجلاء الإنتاج والمعطيات الموجودة لمعايير محددة. 
وهناك عوامل تؤثر في الانتاجية أهمها الاستخدام الفعَّال للوسائل المتاحة أو الاستفادة من المعايير الإنتاجية، فالوسائل يمكن أن يساء استخدامها بطرق مختلفة؛ فبدء العمل متأخراً أو الانتهاء منه مبكراً أو التوقف عنه لأي سبب من الأسباب سيقلل الاستفادة من الوقت، وبالمثل فإن تبديد مادة بفقدانها أو سرقتها أو تعطيلها أو سوء استعمالها سيقلل من حجم الاستفادة منها. 
كذلك من العوامل الهامة في الانتاجية الكفاءة والمهارة، وهي تعني السرعة والدقة في الإنتاج، والنقطة المهمة هنا أنه إذا وضعت مقاييس للإنتاجية الشخصية فلا تجعلها معقدة. 
وهناك عدة وسائل مستخدمة لتحقيق الإنتاجية الشخصية وأهمها الوقت، فهناك أربع وعشرون ساعة في اليوم، ولذلك فإننا نعاني جميعاً من قيود الوقت نفسها، فساعات النهار والليل تتغير مع تغير الفصول الأربعة فيمثل هذا التغير إلى حد ما كذلك قيداً على ما يمكن أن نفعله. 
ومع ذلك فإن الطريقة التي نخصص بها الوقت المتوافر للأشياء التي ينبغي أن نعملها من أجل تحقيق أهدافنا هي طريقة شخصية. 
كذلك مهاراتنا الشخصية المميزة، والمتمثلة في معلوماتنا ومهاراتنا المكتسبة وخبراتنا وصحتنا ومظهرنا وحافزنا، وأخيراً علاقاتنا، المهنية والعملية والعاطفية التي نلجأ لها لتساعدنا في إدارة حياتنا. 
خلاصة القول لكي تدير ذاتك بشكل مثالي يجب أن تمتلك القدرة على ضبط انفعالاتك، وعواطفك، وتحقق توازن نفسي واجتماعي، ويمكنك تحسس نقاط القوة والضعف، استثمر نقاط القوة لصالحك، وحاول جاهداً القيام بتحسين مستوى معيشتك والوصول إلى أعلى مراتب النجاح، ويجب أن تمتلك رؤية، وأهداف واضحة تمكنك من إدارة ذاتك بشكل صحيح، ذلك سيقودك حتما إلى النجاح. فما عليك ألا أن تكون عملياً أكثر.
 
*إرشاد نفسي وتربوي
 *مساعد عميد شؤون الطلبة لفروع الضفة الغربية