كيف تستخدم التخيل في الصف؟


نشر بتاريخ: 17-02-2019

د. سعاد العبد* 
 
 
عند استخدام التخيل كاستراتيجية تدريس يكون من السهل على كل إنسان أن يتخيل، ويمارس الطلبة نوعين من التخيل: الأول هو التخيل المشتت الذي يقود إلى أحلام اليقظة، والثاني التخيل الإبداعي الذي يقود إلى رسم لوحة فنية أو إبداعية. والمطلوب في المدرسة هو التخيل الإبداعي المنتج، والمطلوب من المعلم أن يكون واسع الخيال ليساعد طلبته على القيام بتخيلات إبداعية، وهنا يكون التخيل استراتيجية في التدريس الإبداعي. ومن هنا تنبع أهمية التخيل كاستراتيجية تدريس في العمل الصفي في تعليم معلومات وحقائق وعلاقات. والتخيل هنا مهارة تفكير إبداعية تقود إلى اكتشاف طرائق تدريس جديدة، وما يتم تعلمه هو أشبه بخبرة حية حقيقية من شأنها البقاء في الذاكرة، ويثير التخيل مشاركة حقيقية وفاعلة من الطالب حينما يتخيل نفسه رائد فضاء أو مقاتلاً أو نقطة زئبق، وسيصبح جزًءا وطرفاً فاعلاً في سلوك هذه الأشياء. ومع الخبرة تتحسن المقدرة على توليد الصور، وقد يدهشك الطلبة الذين تتوقع منهم أقصى ردود الفعل السلبية، فهم قد يجدون التخيل خبرة يشعرون بأنهم ينجحون فيها، فيتحمسون لها تماماً. ويهدف الخيال إلى جعل المعلم يتعرف على دوره في تهيئة الطلبة للتعلم من خلال استخدام الخيال، ويطبق أساليب استخدام الخيال في تدريسه، ولكن كيف يهيئ المعلم الطلبة بشكل أفضل؟    
                                                                                             
كيف يستطيع المعلم استخدام التخيل في التدريس؟ 
 
الخيال في التدريس يعني أن تبدع وتبتكر بنجاح، والمعلمون الخياليون يؤمنون بأن التدريس كالفن يمد الطلبة بمجموعة من الأشياء الجديدة المبتكرة التي تقدم لهم مسبقاً، والتخيل يجب أن يعتمد على الذاكرة، ولا بد أن يقترن بالحنان والشفقة، وذلك عن طريق تفهم المعلمين لطاقات الطلبة والصعوبات لكي يتدربوا عن طريق التفكير للحصول على المعرفة. والتخيل على رأس كل العناصر الأخرى في التدريس يكون من خلال تمرين استرخاء، لمناقشة صفية أو مهمة كتابية، والاسترخاء مهارة يتم تعلمها بالممارسة. وحين يستخدم لأول مرة يفضل أن تستخدم تمرينات طويلة نوعاً ما، وحين يصبح الطلبة أكثر خبرة تقل حاجتهم إلى المساعدة في عملية استرخاء الأذهان وتهيئتها، وعندها تستطيع استخدام تمرينات أقصر. وفي مستهل الأمر، قد يواجه بعض الطلبة صعوبة في توجيه انتباههم إلى الجزء من الجسم المطلوب له الاسترخاء، وقد لا يستطيعون الشعور بأقدامهم ما لم يلامسها شيء آخر، حينئذ يجب التوضيح لهم أن الإحساس بالجسد ينمو مع الممارسة، كما يفضل تشجيعهم على الاستمرار في أداء التمارين على أفضل وجه يستطيعونه.
 
 الخطوة الأولى في الاسترخاء والتخيل هي إحراز حالة من الانتباه لجعل الطالب على سجيته، أي وقف التعبير اللفظي التابع للنصف الأيسر من الدماغ حتى يتسنى البدء بالسماع من النصف الأيمن. وقد يكون الانتقال لدى الذين يتميزون بدرجة عالية من اللفظية صعباً قليلاً في البداية، والصوت الداخلي المنبعث من النصف الأيسر من الدماغ مألوف إلى درجة تجعل من السهل توحده مع ذاتك الكلية. والصوت المنبعث من النصف الأيسر من الدماغ ليس إلا واحداً من الحالات الذهنية الكثيرة لدينا جميعاً، ومع الممارسة يمكن تشغيلها أو تعطيلها حسب الرغبة. وفي أي وقت تُدخل التخيل أو تستخدم هذه التقنية مع صفك وجب عليك أخذ بضع لحظات للاسترخاء والتبديل من النصف الأيسر إلى النصف الأيمن من الدماغ.
والتمرين التالي يمثل طريقة واحدة لأداء ذلك لنفسك، وتشير النقط إلى الأماكن التي على المعلم أن يتوقف عندها لعدة ثوان: 
 
مثال: تمرين استرخاء: اجعل جسمك في وضع مريح أولاً، بحيث يمكنك فيه أن تسترخي بسهولة.. والآن أغمض عينيك.. كن واعياً لتنفسك.. لا تفعل شيئاً إزاءه، بل كن مدركاً كيف يتحرك الهواء أثناء دخوله وخروجه.. دع الهواء يسري عميقاً إلى بطنك ولا تفعل ذلك عنوة، كن واعياً لقدميك.. دعهما تسترخيان وتشعران بالدفء والثقل.. دع ذلك الثقل الدافئ المسترخي ينتشر صعوداً في ساقيك.. عبر ركبتيك... ثم فخذيك.. فإلى جسدك.. معدتك.. وصدرك.. وظهرك.. وكتفيك.. دع ذراعيك تسترخيان.. ثم يديك.. والآن تشعر برقبتك تسترخي، وتصبح لينة ودافئة، وأخيراً دع وجهك يسترخي.. دع فكك يصبح رخواً ليناً.. ستشعر بشفتيك تسترخيان.. ثم وجنتيك.. فعينيك... ثم جبهتك وفروة رأسك... استمر بوعيك لتنفسك ثم خذ لحظة أو اثنتين لتستمع بما يشعر به جسدك قبل أن تبدأ رحلتك التخيلية.
 
من هنا جاءت استراتيجية التخيل الموجه التي تقوم على صياغة سيناريو تخيلي ينقل المتعلمين في رحلة تخيلية، ويحثهم على بناء صور ذهنية لما يسمعونه، ويتم توجيه المتعلمين لبناء صور ذهنية غنية، ويتم العمل على التكامل بين الحواس الخمس، فيتم دمج الرائحة والمذاق والإحساس والملمس والصوت داخل الصورة الذهنية التي يتم بناؤها.
 
مثال: تمرين تخيل: تخيل أنك بذرة.. اشعر بجسمك البذري المستدير نائماً في التربة الجافة.. والآن تهطل الأمطار وتصبح التربة من حولك مبتلة.. اشعر بنفسك تنهل من الرطوبة.. لقد بدأت في النمو.. اشعر بجسمك ينمو داخل قشرة البذرة... إنك تطلق جذراً.. وستشعر به ينمو ويضغط على القشرة، اشعر بجذرك ينبثق خارجاً إلى التربة الرطبة المعتمة.. لا تزال تنمو.. والآن تندفع أوراق البذرة المتجعدة إلى الأعلى.. وبجسمك البذري هذا يمتد إلى الخارج، في حين ينمو جذرك داخل التربة، وأوراقك تشق طريقها إلى أعلى.. انظر من حولك.. اصغ إلى الأصوات.. شم الروائح.. تحسس التراب حولك.. رؤوس أوراقك ما تزال تحت سطح التربة مباشرة.. اشعر بنفسك تخترق سطح التربة. انظر من حولك إلى هذه الدنيا الجديدة، اصغ إلى أصواتها.. اشعر بالشمس والهواء.. شم الروائح الجديدة.. اشعر بنفسك وأنت تمتد صعوداً نحو الشمس.. دع أوراقك تنفتح، وحينما تشعر بأنك مستعد، عد بذهنك إلى الغرفة وافتح عينيك.
*عضو هيئة تدريس في فرع بيت لحم