الخليل في عيون فنانيها...ألوان الكفاح الفلسطيني


نشر بتاريخ: 26-04-2016

لم يكتف الفنانون التشكيليون الفلسطينيون بالتعبير عن مدنهم ورموزهم الوطنية والثقافية وقيمهم ومفاهيمهم التي يؤمنون بها بالكلمات فحسب، بل سخروا فرشاتهم وألوانهم ومواهبهم للكفاح والنضال ضد المحتل الإسرائيلي، وباتت هذه سلاحاً فعالاً، بل أكثر فتكاً واستمرارية منه.
في هذا التقرير نسلط الضوء على الفن التشكيلي بمدينة خليل الرحمن، ونجمل ما تحدث عنه بعض فناني المدينة في أعمالهم ولوحاتهم وتطلعاتهم والمعوقات التي تواجههم.

نوع جديد من النضال
إن تاريخ الفن التشكيلي الفلسطيني مختلف عنه في باقي الوطن العربي لوجود الاحتلال، فهذه أ. هدى عابدين مديرة مديرية وزارة الثقافة في الخليل تقول: "يستهدف الاحتلال جميع نواحي الحياة لطمس تاريخ الشعب الفلسطيني وطمس حضارته، وعلى الرغم من ذلك، فقد برز للفن التشكيلي رواد أثّروا في بناء حركة تشكيلية فلسطينية، كان أبرزهم الفنان إسماعيل شموط، الذي أقيم أول معرض له بُعيد الاحتلال الصهيوني لفلسطين، وافتتحه الزعيم جمال عبد الناصر في غزة. من هنا بدأ الفن التشكيلي الفلسطيني المؤرشف، فعقبه الرعيل الثاني وسار على الدرب، نذكر منهم: كامل المغني، وسليمان منصور، ونبيل العناني، وعصام بدر، ويوسف كتلو، وآخرين، للبدء بتاريخ الفن الفلسطيني المقاوم".
تنبع أهمية الفن التشكيلي بصفته واحداً من القيم الجمالية، وبما يتناوله من مواضيع وطنية توثق التاريخ والحضارة الفلسطينية، يقول الفنان التشكيلي يوسف كتلو: "الفن الفلسطيني التشكيلي يلعب دوراً مهماً في النضال الوطني من خلال (البوستر) السياسي والجدارية التوثيقة لأشخاص أو أحداث فلسطينية تناولت العديد من الموضوعات السياسية في فلسطين وفي محافظة الخليل على وجه الخصوص، عن طريق  المنحوتات  الجدارية الضخمة التي  تنصب في أكثر من مدينة فلسطينية، ومنها جدارية الحلم الفلسطيني في وزارة الخارجية الفلسطينية برام الله، وتمثل الحلم  الفلسطيني في التحرر والتقدم الإنساني".  
وتقول الدكتورة تغريد الصغير عضو هيئة تدريس بجامعة بوليتكنك فلسطين: "الفن التشكيلي هنا فن حصري للشعب الفلسطيني، لا يمت لليهود بصلة، فاليهود لم يكن لهم توثيق ثقافي، لا من ناحية العمارة ولا الفنون بوجه عام، وما على الأرض الفلسطينية اليوم هو فلسطيني بحت بدم وروح عربية".

جزء لا يتجزأ من الهموم الفلسطينية
الفن التشكيلي في مدينة الخليل وفلسطين عامة يتناول الموضوع السياسي، وهذا ناتج عن وجود قضية سياسية وطنية تشغل بال الجميع، وفي هذا يقول الفنان كتلو: "لأن الفنان التشكيلي الخليلي جزء لا يتجزأ من الحركة التشكيلية الفلسطينية، إذ يجب عليه أن يتناول مواضيع عدة، فإننا نراه أكثر ما نراه يحمل هم وطنه، ذلك أن المشهد السياسي طاغٍ على فكره وروحه". 
يعد الفن التشكيلي من الفروع المهمة في توثيق الفنون، حاله حال غيره من الفنون، بل نزيد على ذلك أن الفن التشكيلي يوثق بالصورة، ما يحول دون التلاعب فيه، فتبقى الصورة راسخة على مر الزمن. تقول الدكتورة تغريد: "يأخذ قفزات سريعة، لأنه يتسارع مع تسارع القضايا السياسية والأحداث التي نمر بها، تحديداً من بداية الاحتلال، وثلاث انتفاضات كفيلة أن تشكل مفاصل مهمة في التاريخ الفلسطيني بوجه عام، ومدينة الخليل بوجه خاص".
وجسد الفن التشكيلي في الخليل معالم البلدة القديمة، ونسجت اللوحات أبهى الصور في العراقة والأصالة التي تمتاز بها المعالم التاريخية والسياحية في المدينة، في هذا يقول الفنان التشكيلي مازن دوفش: "التقطت صوراً توثق معالم مدينة الخليل وتظهر جمالها، وسمّيت معرضي الأول (مدينتي أحلى من القمر)، أبديت اهتمامي فيه وأظهرت أجمل معالمها، كالحرم الإبراهيمي الشريف، لكي أعرّف الناس بعراقة المدينة وجمالها وتراثها، واجتهدت في المعرض أن أربط تاريخها القديم بالجديد كما في لوحة (مسجد علي بكاء) التي تعمدت فيها أن أظهر معالم المسجد قديماً وحديثاً.
وتناول الفن التشكيلي في مدينة الخليل جداريات لعدد من الأبطال الفلسطينيين، وفيه يقول الفنان كتلو: "صممت جداريات للشهداء: غسان كنفاني، وماجد أبو شرار، وباجس أبو عطوان، وجدارية الشاعر الفلسطيني محمود درويش، وجميعها توثق تاريخ هؤلاء الأبطال الذين ضحوا من أجل فلسطين".  

المواضيع التي تناولها الفن التشكيلي عن خليل الرحمن
جدارية (عيون سارة) أروع أعمال الفنان كتلو، وعنها يقول: "تعالج مواضيع الأسطورة التي وردت في القرآن الكريم، وتبين الحق الفلسطيني التاريخي والديني والسياسي في المدينة، وحاولت أن أجمع فيها كل الرموز الثقافية والتاريخية التي تعبر عن سكان المدينة طرق عملهم وحياتهم اليومية وغير ذلك".
أما الفنان دوفش فيقول: "كل فنان جسد القضية الفلسطينية بطريقته الخاصة، فنجد من يركز على الثوب الفلسطيني، وآخر يهمه التراث، أما أنا فاهتممت بالطابون، والثوب، والحرم الإبراهيمي، والبلدة القديمة، وعنب الخليل وخزفها وفخارها. ثم لم أغفل عن التعبير عن الوضع السياسي للمدينة، خاصة قضية الأسرى الفلسطينيين، فجسدت معاناتهم في لوحاتي المختلفة، وكان أبرزها لوحة (الأسير الفلسطيني)". 
ثم تحدثت الفنانة التشكيلية الدكتورة شفا العملة عن البلدة القديمة في أعمالها قائلة: "الفن التشكيلي نوع من الرؤية لنقل الثقافة وتخليد المكان، فلوحاتي عن البلدة القديمة فيها إحساس لتخليد رموز تراثية نستمد منها الطاقة والقوة للوصول إلى فضاء رحب لا حدود له". 
فيما تحدث الفنان يوسف كتلو عن البلدة القديمة في الخليل في لوحة (مدينة تلتحف الحزن)، يقول: "هذه اللوحة تجسد الحياة في مدينة الخليل وتبين عراقتها، وتعرض رسماً فنياً رائعاً للحرم الإبراهيمي والبلدة القديمة وواقع الصناعة فيها وما تعانيه من استيطان".

إنجازات الفن التشكيلي في الخليل
يقول كتلو: "يعد الإنجاز جمعياً، لكن الفرد هو العامل الحاسم في تطور الثقافة، والثقافة فردية ونفعها عام. أجل، أقمت العديد من المعارض الفنية وورش التدريب التي استفاد منها أكثر من (300) شاب في الأعوام الماضية، وأتمنى أن يكون العام المقبل أكثر عطاء ومنفعة ثقافيا". وفي السياق ذاته، تعقب د. تغريد: "نحن في مرحلة جديدة من النضال، والفن التشكيلي أسرع وسيلة لتوصيل أفكارنا وقضايانا للعالم، وإن ما كان يتربص بمدينة الخليل من تقسيم وتهويد بدأ تنفيذه فعلياً على الأرض، لهذا يجب الحديث أكثر عن الواقع الحالي للمدينة".

نظرة تقييمية للفن التشكيلي في الخليل
يوضح الفنان كتلو أن الفن التشكيلي في مدينة الخليل-كما في سائر الوطن-يعيش حاله من الركود بسبب الإهمال وغياب المهتمين، غير أننا اليوم نلحظ تطوراً إيجابياً كبيراً ونهضة تشكيلية لا بأس بها هنا".     
وفي هذا يقول دوفش: "هو فن راق، ويحتاج إلى اهتمامنا جميعاً، فالفن فينا ثقافة تنقل معاناتنا، نحن الفلسطينيين، من خلال لوحة تعرض في المحافل الدولية فتكون خير رسالة".

العقبات التي تواجه الفن التشكيلي في المحافظة
يبين الفنان كتلو: "العقبات التي تواجه الفنان في مدينة الخليل هي ذاتها التي تواجه الفنان في فلسطين كلها، فلا رعاية كافية، ولا (جاليري) يختص بعرض الأعمال الفنية وبيعها". 
ويعقب دوفش: "ثمة فنانون وفنانات كثر في هذه المدينة (الخليل) ولكنهم يذوون، إذ لا يجدون من يهتم بهم وبفنهم".

آمال الفنان التشكيلي وطموحاته
يعبر الفنان كتلو عن آماله قائلاً: "أحلم بأن يكون هناك اهتمام و(جاليري) عام للعرض، واهتمام بأعمال الفنانين وتسويق أعمالهم وبيعها لتحل محل الأعمال الرديئة التي تزين معظم المؤسسات الفلسطينية". 
فيما تدعو الدكتورة تغريد إلى أن يتم توجيه بوصلة الفن التشكيلي نحو البلدة القديمة في الخليل وما تعانيه حالياً من تقسيم واستيطان ومعاناة الأهالي في الظرف الراهن، ليتسنى بذلك نقل هذه المعاناة على مستوى العالم العربي والعالم كله.
ويطمح الفنان دوفش بأن يشارك في المعارض الدولية لنقل معاناة الشعب الفلسطيني للعالم بأكمله.