هل أصبحنا انطوائيين بسبب مواقع التواصل الاجتماعي؟


نشر بتاريخ: 26-04-2016

(هل أصبحنا انطوائيين وعبيد هواتفنا الجوالة؟) سؤال يتداوله كثير من الناس في ظل رواج مواقع التواصل الاجتماعي واستخدامها بهدف التواصل والتعارف. وفي هذا السياق يحذر مختصون من أن الإكثار من استخدام هذه المواقع والابتعاد عن العلاقات الوجاهية سيؤدي إلى تدمير العلاقات الأسرية والاجتماعية، وإلى تعزيز مظاهر الانطوائية وعدم التشارك المجتمعي في مختلف القضايا والمناسبات المشتركة.
 
 وفي هذا يبين الدكتور أمين أبو وردة (المحاضر في الإعلام والباحث المتخصص في مواقع التواصل الاجتماعي) أن الاستخدام الواسع لشبكات التواصل الاجتماعي ترك آثاراً جمة على تفكير الغالبية القصوى من المستخدمين، وأوجد أشكالاً من العلاقات والتغييرات بدت تبرز بصورة جلية مع مرور الزمن، تحديداً في ظل الإدمان على الاستخدام الطويل، والانزلاق في بعض المتاهات التي خلفت إفرازات سيئة سلبية. صحيح أن هناك آثاراً إيجابية لاستخدام هذه المواقع في شتى المجالات، لكن ثمة آثار سلبية مدمرة تصيب المجتمع، أهمها انغلاق العلاقات وجمودها، وتفشي الانطوائية التي تصيب الأسرَ فتتفكك العلاقات الاجتماعية وتفسخها.
يقول: "إن الابتعاد كثيراً عن العلاقات الوجاهية في ظل ثورة التواصل الاجتماعي، والاعتماد على الافتراضية، سيؤدي إلى تدمير العلاقات الأسرية والاجتماعية وتعزيز مظاهر الانطوائية وغياب التشارك المجتمعي في مختلف القضايا والمناسبات".
في السياق ذاته، يرى أ. مصطفى عقل (المحاضر بكلية التنمية الاجتماعية والأسرية بجامعة القدس المفتوحة) أن لمواقع التواصل أثرين: أحدهما إيجابي كونها (مواقع التواصل الاجتماعي) قربت إلينا الخبر والمعلومة وعرّفتنا بثقافات الشعوب الأخرى، بل أصبحنا بفضلها منفتحين على عوالم جديدة، وقصرت المسافات عبر برامج التحدث المجانية مع أصدقائنا وأقاربنا، سواء أكانوا داخل الوطن أم في دول عربية أو أجنبية، وبهذا نكون قد وفرنا الوقت والجهد وتجنبنا التكاليف المادية المرتفعة. أما الأثر السلبي فيتجلى بفقدان التواصل الوجاهي الحي بين الأصدقاء أو بين أفراد الأسرة، وهو ما نلامسه في المناسبات الاجتماعية والدينية وغيرها، فبتنا نرى مظاهر جديدة من أشكال التهنئة والمشاركة، كإنشاء مجموعة ما على أحد البرامج مثل (واتساب، وفيسبوك، وغيرهما)، ويتبادل أفرادها التهاني في المناسبات والأعياد.
وتابع عقل يقول: "من وجهة نظري، أرى أن الفرد كلما اقترب من هذه المواقع زادت الهوة بينه وبين مجتمعه، فثمة علاقة بين الثورة التقنية وعلاقاتنا الأسرية والاجتماعية. إضافة إلى ذلك ألاحظ أن لدى البعض هوساً باقتناء أحدث ما توصل إليه العلم في مجال الأجهزة الذكية، وهذا يعد إدماناً يضفي أحياناً إلى مشكلات أسرية، خاصة إذا ما كان رب الأسرة مجبراً على توفير كل جديد لأبنائه حتى يتساووا بقرنائهم في الجامعات أو المدارس أو بأقربائهم".
ثم تحدث عن أمراض محددة قد تنشأ نتيجة قضاء أوقات طويلة أمام شاشة الهاتف الخلوي أو الحاسوب، مثل الإصابة بتآكل الفقرات، أو مشكلات في القوام بسبب قلة الحركة وممارسة الرياضة، أو مشكلات أخرى مثل (تلوث) المفاهيم والأفكار، خاصة إذا ما كانوا أحداثاً منضمين إلى مجموعات تواصل اجتماعي غريبة تغيب عنها عين المسؤول الرقيب.
أما المربية معالي صدقي إبراهيم (المدرسة للغة الإنجليزية في مدرسة بنات بديا الثانوية)، فتقول: "على الأهالي أن يقوموا بدور رقابي على أبنائهم، وخاصة فئة طلاب المدارس، لأن استخدامهم الهواتف الذكية طويلاً ودخولهم عالم الإنترنت، وخصوصاً مواقع التواصل الاجتماعي، قد يدخلهم طور الإدمان أو العزلة، ومن ثم ينشأ فينا جيل كسول أهمل هواياته مع الأصدقاء، وأهمل اللعب والرياضة ونفر عن الذهاب إلى المكتبات العامة. ومن ناحية أخرى، أرى أن الاستخدام الطويل قد تنتج عنه مشكلات في التحصيل الدراسي، كون الوقت المخصص للدراسة ضاع في استخدام تلك المواقع".
وعززت المربية معالي كلامها ببحث أجرته على طالبات المرحلة الثانوية، خلصت فيه أن هناك تأثيراً لهذه المواقع على العلاقات داخل الأسرة، وعلى الوقت الذي يجب أن يقضى للدراسة والأداء المدرسي، وهذا يقود إلى مشكلات أسرية أحياناً، وربما تتفاقم تلك المشكلات إذا ما استخدمت تلك المواقع بصورة سلبية يغيب عنها الموجه والرقيب.
الطلبة كافة يؤكدون ما قاله المربون؛ يقول الطالب راني مؤيد درويش، المتخصص في "الخدمة الاجتماعية" بجامعة القدس المفتوحة: "إن (الفيسبوك) أصبح محور حديثنا-نحن الأصدقاء-لدرجة أننا نجلس معاً في بعض الأحيان وينشغل كل منا بهاتفه الشخصي، فترى أحدنا يرسل "تعليقا" لصديقه عبر الشبكة بينما يسهل لو أراد أن يحادثه مشافهة في الجلسة ذاتها. بل يتعدى الأمر ذلك، فصرت أشعر حين تنذر البطارية بالانتهاء أو تنقطع الشبكة بأنني منقطع عن العالم، لأنني لا أستطيع أن أواصل حياتي بعيداً عن أصدقاء (الفيسبوك)، أجل هذا إدمان". 
يتابع: "مقابل ذلك، ورغم الكم الهائل من الصداقات والمعارف عبر (الفيسبوك) أشعر داخلياً بالعزلة، فأنا ممن يحبون الجلسات الوجاهية مع الأهل والأسرة والأصدقاء، نتحدث معاً في جو يسوده الحوار والألفة لا الصمت".