موظفو القطاع العام بين غلاء الأسعار والقروض البنكية


نشر بتاريخ: 26-04-2016

يعاني المواطن الفلسطيني غلاءً في الأسعار وأزمة اقتصادية متصاعدة وصلت ذروتها في الآونة الأخيرة جراء الواقع الأمني والسياسي المتدهور، وجراء إجراءات الاحتلال التعسفية من حصار طويل ظالم على قطاع غزة، وتقسيم لأراضي الضفة الغربية، والمحاولات المتكررة للسيطرة على مقدراتها وثرواتها، ولا ننسى ما تركه الانقسام البغيض من جروح وخدوش على مفاصل حياة المواطن الفلسطيني في كل أنحاء الوطن.

واقع الأسعار
تسود حالة من التذمر الشديد في أوساط الشارع الفلسطيني في ظل غلاء المعيشة بصورة كبيرة، وأكد المواطنون أن الغلاء شمل معظم المستلزمات الضرورية.
 وفي هذا السياق بين الموظف بسام أحمد أنه معيل لأسرة مكونة من ثمانية أفراد، وأن راتبه الشهري لا يكفي لشراء المستلزمات الأساسية لبيته، فضلاً عن  التزامه بتسديد فواتير الكهرباء والمياه، واصفاً الأسعار بأنها أسعار تفوق الخيال.
ويقول الموظف محمد إبراهيم متذمراً: "إن ارتفاع الأسعار شمل معظم المستلزمات الضرورية من خضراوات وكهرباء ومياه ومحروقات، منوهاً بأن ليس بمقدوره دفع فاتورة كهرباء تصل قيمتها في بعض الأحيان إلى (600) شيقل اقتطعها من راتب شهري لا يتجاوز (2200) شيقل.
فإذا كان هذا حال الموظفين، فكيف يكون حال من ليس لديهم مصدر دخل يعيلهم؟!
وهذا التاجر أبو حسام يشير إلى أن السلع تصل الأسواق مرتفعة الثمن بسبب الحصار المستمر والممارسات الإسرائيلية، ما يضطرنا إلى البيع بأسعار مرتفعة تفوق قدرة المواطن الشرائية.

تفاقم الأزمة
أعلن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني أن الرقم القياسي لأسعار المستهلك في فلسطين سجل ارتفاعاً بنسبة (1.43%) خلال العام 2015م مقارنة مع العام 2014م؛ بواقع (1.77%) في الضفة الغربية، و(1.29%) في قطاع غزة، و(0.33%) في القدس، وجاء الارتفاع في أسعار اللحوم في المقدمة بنسبة (14.2%)، وأسعار الخضراوات بنسبة (13.97%)، وأسعار خدمات التعليم بنسبة (4.27%)، وأسعار الفواكه بنسبة (7.23%).
وفي ظل غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار فإن الموظف أول ما يقوم به هو التوجه إلى البنك للحصول على قرض يلبي احتياجاته وأسرته، وبحسب بيانات سلطة النقد لعام 2014م فهناك (270) ألف مقترض في السوق الفلسطينية من البنوك العاملة، وبلغ إجمالي التسهيلات التي حصلوا عليها نحو (3,4) مليار دولار (تسهيلات قروض الأفراد). 
وكشفت بيانات وأرقام مالية صادرة عن جمعية البنوك في فلسطين أن إجمالي القروض والتسهيلات التي قدمتها البنوك في فلسطين ارتفعت بنسبة (11.8%) خلال الشهور الثمانية الأولى من عام 2015م مقارنة مع الفترة المناظرة لها من العام 2014م.

القروض البنكية...إلى متى؟
أدى تفاقم الأزمة الاقتصادية في فلسطين إلى لجوء أعداد كبيرة من موظفي الوظيفة العمومية إلى القروض البنكية كحل مؤقت لتيسير أمور حياتهم والتخفيف من معاناتهم، إذ وصل عدد الموظفين المقترضين نهاية العام 2013م إلى (77) ألف موظف بناءً على بيانات سلطة النقد الفلسطينية.
"أنا متضرر والبنوك مستفيدة" هذا ما قاله الموظف المقترض هاشم حسين بسبب تعثره في توفير الأقساط الجامعية لأبنائه من راتبه، ما دفعه إلى الاقتراض من البنك كحل لأزمته المالية، لكنه أدرك فيما بعد أن القروض لا تزيل عن كاهله الديون بل تزيدها.  
ثم بين الموظف عوض عبد الرحمن أن سوء الأوضاع الاقتصادية التي يعانيها دفعته إلى أن يقترض مبلغاً مالياً من البنك لسد احتياجات أسرته، يقول: "منذ أربع سنوات لم أتقاض سوى (40%) من راتبي  بسبب خصم قسط القرض وفواتير الكهرباء...ونحوها، وهذا زاد من مشكلتي، ثم أيقنت أن القروض ربما تحل أزمة مؤقته ولكنها تخلق أزمة طويلة الأمد، وخاصة الموظف الذي يتقاضى دخلاً ثابتاً ولا يجد له مصدراً آخر"، محذراً الموظفين من اللجوء إلى القروض كحل لمشكلاتهم المالية.
ويبدو أن القروض البنكية ستظل سيفاً مسلطاً على رقاب الموظفين ما داموا لا يجدون لهم مخرجاً يغنيهم عنها.


ركود في مستوى المعيشة

ولما سئل المحلل الاقتصادي في معهد (ماس) للدراسات الاقتصادية د. سمير عبد الله: (هل يكفي متوسط الأجور متطلبات الحياة؟) أجاب: "إن موضوع متوسط الأجور غامض نسبياً، وطالما طمحنا بأن يعلو، وفلسطين منذ خمس سنوات لم تشهد تضخماً في الأسعار، رغم الارتفاع القليل، لكن المعوِّق الأساس تمثل بتعاظم البطالة، فضلاً عن أن عدم ارتفاع الأجور أدى إلى ركود في مستوى المعيشة".
 ثم أسهب في شرح لجوء موظف القطاع العام في فلسطين إلى القروض، موضحاً أن ذلك أمر طبيعي في حياة الإنسان وفي المجتمع المتحضر، وعلى الموظف أن يقترض بقدر ما يستطيع أن يسدد، معلناً أن الشعب الفلسطيني أقل الشعوب المقترضة إذا ما قورن بغيره.
أما فيما يتعلق بالخطورة المستقبلية على الموظف أو على الاقتصاد الوطني إذا ما استمر موظفو القطاع العام بالاعتماد على الاقتراض لسد الحاجات الاستهلاكية، فنراه يقول: "لا توجد خطورة على الموظف ولا على الاقتصاد الوطني، بل إن هذا ينشط الاقتصاد الوطني في المدى القريب، وعلى الموظف أن يسترشد ثم يلتزم بالتسديد، حتى لا يؤدي ذلك إلى انهيار في البنوك الفلسطينية".