القيادة الذكية عاطفياً


نشر بتاريخ: 17-02-2019

د. نضال المصري *
 
      القيادة الذكية عاطفياً هي التي تمزج بين العاطفة والعقل، فالعقل يتحكم في العواطف، والعاطفة تساعد العقل في الوصول إلى القرارات الفعالة وإلى حل المشكلات، وهي أهم أدوار القادة، فالقيادة الذكية تعلم بأن العاطفة هي التي ترشد التفكير وتهذب السلوك، وتبين لنا كيف نتعامل مع محيطنا؛ كما أن القيادة الذكية عاطفياً هي التي تحقق للشركات والمؤسسات الميزة التنافسية في الوقت الحاضر، وبالتالي يمكن اعتبار القيادة الذكية عاطفياً هي التي تؤثر في مشاعر الذات ومشاعر الآخرين. فالقيادة تعبر عن تفاعل بين القائد والمرؤوسين، وفهم القائد لمرؤوسيه، والوصول لدرجة الفعالية في التواصل معهم، وهو جوهر القيادة الذكية عاطفياً. 
أثبتت الكثير من الدراسات أن تمتع القائد بدرجة عالية من الذكاء العاطفي يحقق له مستويات عالية من الأداء داخل المنظمة، وهذا ما يدفع إلى ضرورة البحث في دور القيادة الذكية عاطفياً في المتغيرات التي تؤثر على بيئة العمل، وذلك للتأكيد على مدى أهمية الذكاء العاطفي للقائد. وعند المطالعة لمفهوم الذكاء العاطفي للقيادة، تكشف لنا أن لكل إنسان (رئيس أو مرؤوس) عواطف، وهذه العواطف قد تكون إيجابية مثل: التفاؤل، والحب، والالتزام، وقد تكون سلبية مثل: الاشمئزاز، والإحباط. وهدف الذكاء العاطفي لدى الفرد ليس تجاهل تلك العواطف، بل فهمها وكيفية التعرف عليها، لأن فهم تلك العواطف وإدارتها تزيد من فرص النجاح والترقي في الحياة بشكل عام، وعلى الفرد أن يستغل تلك العواطف، ويضبطها ويديرها بطريقة تحسن أداءه وإنجازه. والذكاء العاطفي للقيادة يجب أن يشتمل على مجموعة من العناصر، ومنها:
1- ضرورة تنمية الذكاء العاطفي لأنه يمثل النجاح في الحياة، سواء في العمل أو المنزل.
2- ضرورة فهم مشاعر الآخرين وعواطفهم، وإدارتها بطريقة سليمة حتى تستطيع التأثير فيهم.
3- ضرورة أن يدير الشخص عواطفه ويتحكم بها حتى يستطيع تحفيز نفسه والتواصل الفعال. 
4- ضرورة تطويع أي عواطف، سواء إيجابية أو سلبية، في صالح الفرد، وأن يوجهها لما فيه خير له ولمصلحته، وهذا ما دعانا له النبي صلى الله عليه وسلم عندما قال بمعنى الحديث "إن أمر المؤمن كله خير، وليس ذلك إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له"، وهذا يدل على أن يستمر الأمل والتفاؤل لدى الفرد حتى لو واجهته مصائب وعقبات أثناء الوصول إلى هدفه.
5- ضرورة معرفة المثيرات الانفعالية، ومصدرها إما داخل الفرد أو البيئة المحيطة.
6- ضرورة ضبط النفس.
7-    ضرورة إظهار الود والاحترام والتقدير للآخرين، وأن تكون أميناً في معاملتك معهم.
8- ضرورة إيجاد توافق بين العاطفة والعقل.
9- ضرورة أن تكون مخرجات تعاملك مع نفسك ومع الآخرين إيجابية.
فهناك اتفاق تقريباً في آراء الباحثين حول مكونات الذكاء العاطفي للقيادة، وتشمل: 
1- الوعي الذاتي وفهم ومعرفة عواطف ومشاعر النفس والآخرين، والتكيف والانسجام في مواجهة التحديات.
2- التحكم في المشاعر الذاتية، والتحكم في مشاعر الآخرين وعدم إهمال مساهمة الآخرين.
3- أن يتغلب الفرد على ما يثيره سلبياً مثل: القلق، والخوف، والحزن، وتحديد سبب كل انفعال وآثاره.
4- أن يدير الفرد مشاعره بشكل سليم يساعد على حل المشكلات واتخاذ القرارات وتجاوز التحديات.
5- القدرة على تحمل المسؤولية، والتكيف بسهولة مع المواقف المتنوعة، والقدرة على خلق الدافعية.
والذي ينظر إلى مكونات الذكاء العاطفي من: ثقة بالنفس، ومعرفة مشاعر الذات ومشاعر الآخرين، والتعاطف، والتفاؤل، والمزاج، وتحفيز الحالة الانفعالية. للوهلة الأولى يسأل ما هي العلاقة بين هذه المكونات وقيادة المؤسسات أو بيئة العمل، خاصة فيما يتعلق بالإنتاج والربح والعلاقات وإدارة الأفراد، ولكن عند دراسة هذه المكونات ومعرفة تأثيرها على الفرد وقدراته، ومن خلال فهم مشاعر الآخرين ومشاعر الذات والتحكم فيها، فإن إدارة الأفراد تستطيع أن تعمل بشكل أفضل، سواء في التشجيع على العمل أو التحفيز أو حل مشكلاتهم وأزماتهم والسيطرة على الصراعات، فكل ذلك يعد نتائج توفّر الذكاء العاطفي لدى الأفراد. كما أن معرفة العواطف وتنظيمها وإدارتها ومن ثم التواصل يساعد على تحقيق أهداف المنظمة بفعالية. 
وبتحديد المكونات بشكل تفصيلي نستطيع أن نحدد كيف نقوم بالتدريب على تطوير تلك المكونات لدى الأفراد، وذلك للدور الذي تلعبه هذه المكونات في تكوين ذكاء عاطفي لدى الفرد، كما أنه لا يوجد اتفاق بين  الباحثين حول أنسب طريقة لقياس الذكاء العاطفي، فمنهم من يركز على مقاييس القدرة، وآخرون يركزون على مقاييس التقرير الذاتي، وبعضهم يركز على تقرير الملاحظين، ولكن يمكن القول إن الطريقة المناسبة يحددها الموقف أو طبيعة الدراسة ومجتمع البحث والباحث نفسه، فعندما يكون المستقصى منهم على وعي تام بحالتهم وتقييم أنفسهم حينئذ يمكن استخدام التقرير الذاتي، وهذا ما يستخدم في معظم الدراسات العربية والأجنبية. ولقياس مستوى القيادة الذكية فإن التقرير الذاتي مناسباً لمعرفة ذكائهم العاطفي.
ويلاحظ من خلال العرض السابق أن تميز القائد بذكاء عاطفي مرتفع يحقق له كفاءة على غيره من القادة، وهذا التميز يتمثل في قدرة هذا القائد على المبادرة والإقناع ومراعاة أهداف العاملين لديه ومراعاة أهداف المجتمع المحيط به، وذلك بما يتوفر لديه من طموح وضبط للنفس ولباقة في التعامل وقدرة عالية على طرح أفكار جديدة والتخلص من الأزمات والمشكلات بأساليب علمية ذات كفاءة عالية، وهذه المهارات هي التي تحقق النجاح للقائد، وهذا ما يدلل على صحة ما توصلت إليه الدراسات من أن (80%) من نجاح القادة يعود للذكاء العاطفي، فالذكاء العاطفي يعطي القائد سلطة بخلاف السلطة الشرعية، وإن جاز لي تسميتها فيمكن تسميتها بالسلطة المعنوية.
*عضو هيئة تدريس في فرع خان يونس