غَلَاءُ المُهُورِ..(عَقَبَةٌ كَؤُود فِي طَرِيقِ الْعَفَافِ المَنْشُود)


نشر بتاريخ: 17-02-2019

أ‌. د. محمد محمد الشلش*
لقد حثّ الإسلام على الزواج ورغّب فيه، ويسّر سبله، فهو طريقُ السكن والاستقرار، وحفظُ الفروج والأبصار، به تتكاثر الأمم، وتتقد العزائم والهمم، مَن هَجَره ساء حاله، ومن رضي به كَثر عزّه وماله، وارتقت به عياله، هو الميثاقُ الجامع، والدواءُ المانع، يقول تعالى في الحث عليه والترغيب فيه: "ومِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً، إِنَّ فِي ذَ?لِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ". (الروم:21) فالمودة كناية عن الجماع، والرحمة كناية عن الولد. (تفسير البيضاوي:4/204)
وقال عليه الصلاة والسلام: "إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ". (رواه الترمذي وقال: حسن غريب). فالحديث صريح بأن العزوف عن الزواج سببٌ في ظهور الفتنة والفساد في الأرض، والعصمة من ذلك تكون بالزواج وتيسير أسبابه. 
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-قَالَ: "الدُّنْيَا كُلُّهَا مَتَاعٌ، وَخَيْرُ مَتَاعِهَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ". (أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ) 
ومع حثّ الإسلام على الزواج، ودعوته إلى تيسيرِ سبله والرّفقِ في تكاليفه إلا أن كثيراً من الناس جنحوا إلى غير هذه السنة، فتنافسوا في التعسير لا التيسير، والرفعِ لا الوضع، فغدا غلاء المهور معضلة، شغلت بالَ كثير من الناس، وحالت بينهم وبين الزواج، وإصابة السنة، والطمع في الجنة، وفي ذلك مخالفة لأوامر الله تعالى وتوجيهات رسوله -صلى الله عليه وسلم- التي رغّبت في الزواج، ويسّرت أسبابه، وفي هذا تعريض للشباب والفتيات للخطر والفتنة والفساد، والسفر إلى الخارج، والبحث عن سكة السوء لإشباع الغريزة وتسكين الشهوة، ولا يخفى على كل ذي لبK وطامع في سترٍ وحب، ما في ذلك من مفاسدَ وأضرار، وعزوف ٍوإدبار.
إن ظاهرة غلاء المهور وارتفاع تكاليف الزواج من المعضلات الاجتماعية التي تقض مضاجع المجتمع العربي المعاصر، فهي تدق ناقوس الخطر، وتنذر بالبلايا والخطايا والكوارث التي لا تحمد عقباها، بل وتهدد الأمن الاجتماعي والسلم الأهلي؛ لما يترتب على هذه الظاهرة من عواقب وخيمة، وأخطار جسيمة.
إن الزواج ضرورة دينية، ومنفعة اجتماعية، به تحصل مصالح الدين والدنيا، ويحصل الارتباط بين الناس، وبسببه تحصل المودة والتراحم، ويسكن الزوج إلى زوجته، والزوجة إلى زوجها، وبه يكثر النسل، وتصان الأعراض، وتحارب الأمراض، فيحصل الحبُ والتآلف، ويغيب البغضُ والتخالف.
ولتحقيق أغراض الزواج ومقاصده، حثّ الإسلام على تيسير المهور، ونهى عن المغالاة فيها، وعن الإسراف في حفلات الزواج ومتطلباته، ومن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: "إِنَّ أَعْظَمَ النِّكَاحِ بَرَكَةً أَيْسَرُهُ مَؤُونَةً". (مسند أحمد 75/41) وقال النبي لرجل أراد الزواج ولم يملك تكاليفه: "أَعْطِهَا ثَوْبًا"، قَالَ: لاَ أَجِدُ، قَالَ: "أَعْطِهَا وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيد". فَاعْتَلَّ لَهُ، فَقَالَ: "مَا مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ؟" قَالَ: كَذَا وَكَذَا، قَالَ: " َقَدْ زَوَّجْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ". (متفق عليه).
وقد أعلن الإسلام الحرب على الأسباب التي تؤدي إلى ارتفاع المهور والمغالاة فيها، ومن هذه الأسباب جهلُ الأهل، حيث يعتبرون المهر ضماناً لمستقبل ابنتهم، فَهُم يجهلون مستقبلها،  فيغالون في المهر بحجة أن ذلك قد يساعد ابنتهم على مواجهة المشاكل الماديّة التي قد تتعرّض لها، وبذلك يصبح المهر سلاحاً تستخدمه الفتاة في مجابهة المستقبل المجهول، وهذا الاعتقاد في ظاهره منطقياً فيه الرحمة، وباطنه فيه الضرر والعذاب على الفقراء ممّن يرغبون في الستر والزواج، وعلاج ذلك يكون بالتّوعية الدّينيّة، والسير على منهج الله وتطبيقه، فليس من الحكمة تعجيز الشّباب وإرهاقهم في الديون وهم في بداية حياتهم، ممّا يؤثر سلباً في حاضرهم ومستقبلهم.
ومن الأسباب الأخرى لغلاء المهور التباهي والتفاخر، فقد أصبحت المباهاةُ بكثرة المهر وتكاليف الزواج ديدناً وشريعةً لكثير من الناس، يتحدثون عنها في المجالس، وينشرونها في الصحف والمجلات، ويبثونها في الفضائيات، ظانين أن ارتفاع المهر علامة على مكانة المرأة ورفعتها، وأن التقليل فيه علامة على وضيعتها، وهذا فهم مغلوط، وتجاوزٌ للخطوط، ومجانبة للحقيقة، فأكرم الناس عند الله اتقاهم لا أغناهم. ومن شأن ذلك أن يجعل الزوجة سلعة، تباع وتشترى، مما يخل بالمروءة، وينافي الشيم، ومكارم الأخلاق والقِيم.
 إن غلاء المهور له نتائج كارثية على الفرد والجماعة والمجتمع، فهو يؤدي إلى ظلم الفتاة التي يتأخر زواجها بسببه، كما يقود ذلك بعض الشباب إلى الانحراف والجريمة، فتشيع الفاحشة والشذوذ، فالمرأة فتنة كما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام: "مَا تَرَكْتُ بَعْدِي عَلَى أُمَّتِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ". (متفق عليه)، وقد يدفع غلاء المهور كثيراً من الشباب إلى اللجوء للبنوك الربوية للاقتراض لتوفير تكاليف الزواج، فيقعون في الحرام وما نهى الله تعالى عنه، كما يؤدي ارتفاع المهور إلى تقليل النسل؛ لعزوف كثير من الشباب عن الزواج الشرعي.
إن الرجوع إلى تعاليم الإسلام هو العلاج الفعّال لأزمات الأمة ومشكلاتها الاجتماعية التي تعمل على تفكيك الأسرة المسلمة وضياع أفرادها، والتماس منهج الإسلام في الزواج وما يرتبط به يحقق للمسلمين السعادة في الدارين.
*عضو هيئة تدريس في فرع دورا