أ. د. عمرو يكرمها ويمنحها لقب "سفيرة النوايا الحسنة لجامعة القدس المفتوحة"..حسناء عمر.. بصر عوّضته بصيرة ليصبح الحلم ممكناً


نشر بتاريخ: 17-02-2019

طولكرم – ينابيع- محمد أبو سفاقة- سيجذبك ذاك الصوت لتقف طويلاً على كلمات أغنية استطابها سمْعُك لأول مرة ويجبرُك بعدها على التعرف إلى صاحبه، فتُقابلك ابتسامة تنقلك من دائرة اليأس إلى محيط فرحة، إنها ابنة جامعة القدس المفتوحة "حسناء عمر" من مدينة طولكرم، التي لم يقف مصطلح "كفيفة" عائقاً في طريقها، بل اتخذت منه دافعاً لتصنع من موهبتها في كتابة الأغاني الوطنية وتعلم اللغات.
واستقبلت حسناء الحياة بعد ثمانية عشر عاماً من انتظار والديها لإرادة الله بإنجاب طفل، يملأ بيتهما بهجة وفرحاً، فكانت إرادته سبحانه أن تولد وتوأمين آخرين بعملية زراعة لتجد نفسها وحيدة ترضع حليب أمها بعد وفاة رفيقي الرحم طوال تسعة أشهر، عاشت حسناء بعزيمتها لكن بصرها هو الثمن الذي دفعته مقابل البقاء على قيد الحياة.
والدها كان بمنزلة عينيها اللتين ترى بهما العالم كما تحب أن تراه بتفاصيله وألوانه المختلفة، كان طفولتها التي كانت تعيشها، فأخرجها من قوقعة بيتها في ليلة هادئة يُسمعها أصوات الأصيل وتحركاته، ويظلان حتى طلوع الفجر فيسمعان أصوات العصافير ونسائم الصباح العذبة.
عندما بلغت حسناء السابعة من العمر أرسلها والداها إلى مدرسة خاصة للمكفوفين في مدينة رام الله، تعلمت فيها عشر سنوات بدءاً من الصف الأول حتى العاشر، وكان والدها يرافقها إلى المدرسة في كل صباح أحد، تبقى هناك باقي الأسبوع حتى يأتي يوم الخميس ليستقبلها والداها عند بوابة المدرسة بشغف؛ ليعيشوا ما تبقى من أيام الأسبوع حياة الأسرة السعيدة؛ وليحدث كل منهم الآخر عما مرَّ به خلال الأيام الماضية.
وبمرور السنة الأولى من الدراسة، أخذت حسناء تتقن الكتابة والقراءة على آلة "بريل"، التي يستخدمها المكفوفون موظفة باقي حواسها، فلم يقف فقدانها البصر عائقاً أمامها.
ومع كل هذه المعوقات والمطبات، استطاعت حسناء أن تتخرج من هذه المدرسة بقوة سلاح العلم مع شهادات تقدير وجوائز، فانتقلت بعدها إلى مدرسة حكومية ثانوية في طولكرم، ولم تستسلم، بل تابعت تعليمها ونهضت مجدداً لتسير نحو جوهرة النجاح والتفوق تحوز مرة أخرى شهادات تقدير وتفوق.  
أبحرت في عالم الألحان والمقامات.. فتراها تتحدث عن أنواع المقامات مثل ملحنٍ محترف، تلحن وتعزف وتغني للوطن، لم تتقوقع في ظلمتها، فقد خرجت من صمت العيون إلى نور المعرفة.
 
القدس المفتوحة تحقق حلم حسناء
حققت القدس المفتوحة حلم حسناء بدراسة تخصص ترجمة اللغات في الجامعة، خاصة أنها تمكنت من تعلم اللغة الكردية والتركية وغيرها من خلال إحدى الفضائيات التي تبث برامج لتعليم اللغات، لكن الصعوبة التي واجهتها في تعلم الكردية أن البرامج التي كانت تبثها الفضائية لتعليم الكردية كانت تنطق باللغة الكردية والإنجليزية فقط، ما دفعها لإتقان اللغة الإنجليزية أولاً حتى تتمكن من فهم الكردية ثم تعلمها وترجمتها إلى العربية.
 كرم رئيس الجامعة أ. د. يونس عمرو ابنة الجامعة الطالبة، المجتهدة الضريرة حسناء عبد الله عمر (18 عاماً) من ضاحية شويكة بطولكرم، على إبداعها في إجادة لغات عدة، من بينها الكردية، والتركية، والألمانية، وحفظ أجزاء من القرآن الكريم وتجويدها، ومنحها لقب "سفيرة النوايا الحسنة لجامعة القدس المفتوحة". 
وقال أ. د. عمرو إن الطالبة حسناء عمر التي تدرس اللغة العربية في الجامعة، تمتلك إرادة كبرى أوصلتها للعبقرية، وستقوم الجامعة برعاية كل المواهب في الجامعة.
ثم هنأ والديها على أن رزقهما الله في ابنتهم هذه المواهب، فهي "وقد فقدت البصر فإنه سبحانه عوضها بالبصيرة"، مشيراً إلى وجود مواهب عديدة يتحلى بها طلبة "القدس المفتوحة".
وأوضح أ. د. عمرو أن الجامعة حريصة على تقديم كل الإمكانيات للطلبة من ذوي الاحتياجات الخاصة، وتقوم بتوفير مبان ملائمة لهم من أجل تقديم أفضل تعلم، كما تتوفر في عدد من فروعها مختبرات للمكفوفين. 
من جانبها، شكرت الطالبة عمر جامعة القدس المفتوحة، وعلى رأسها رئيس الجامعة، على تكريمها، وأكدت أنها ستكون سفيرة للجامعة في مختلف المحافل، فهي بنت "القدس المفتوحة"، وستواصل التعلم والعمل من أجل تحقيق مزيد من النجاحات، وقد تحدثت للرئيس الكردستاني الذي التقته الشهر الماضي، خلال زيارة لها إلى كردستان، عن دور جامعتها في دعمها.
وقالت إنها تعلمت اللغات عن طريق التلفاز ذاتياً، وهي تهوى الغناء والعزف والدبكة الشعبية، وأبدعت في قراءة القرآن الكريم وتجويده، وقد ألّفت ولحنت العديد من الأغاني الوطنية، من بينها أغنية (حق العودة) و(راجعين لوطنا راجعين)، وتجيد الكتابة الأدبية، وخاصة الأشعار والخواطر، لتتحول إلى موهبة بكل ما في الكلمة من معنى.
 
حسناء تصر على تحدي الإعاقة
تصر حسناء التي مُنحت لقب "سفيرة النوايا الحسنية لـجامعة القدس المفتوحة" على تحدي الإعاقة البصرية، ولكنها لن تحول دون تحقيق حلمها بالتفوق والنجاح في حياتها التعليمية والشخصية.
وتؤكد حسناء أن الإعاقة لا تلغي الطاقة، وإن "ذوي الاحتياجات الخاصة يمتلكون مواهب وقدرات وإمكانات يعجز عنها الأشخاص العاديون"، وبذلك تتحدى ظروف إعاقتها وتثبت أنها قادرة على التغيير والإبداع، وأن الإعاقة لا تحول بين الإنسان والتأثير الإيجابي طالما تمتع بالعزيمة والإرادة.
مع بداية العام الجاري، كان حظها قد حالفها وقادها نحو تحقيق حلمها بزيارة كردستان العراق، وذلك بعد رسالة مصورة لها كانت حسناء وجهتها عبر قناتها على "يوتيوب" إلى الرئيس برزاني، وهو حلم طالما راودها، فهي تمثل رغبة لها منذ نعومة أظفارها، وها هي رسالتها تصل إلى مدير مكتب التشريفات للرئيس برزاني الذي كان قد أمر بدعوتها عبر القنوات الرسمية لزيارة كردستان ليكون لها ما أرادت. وحظيت حسناء باستقبال رسمي وشعبي، ولأنها تتقن اللغة الكردستانية بطلاقة وتجيد بها الغناء، جعل بعض الفنانين هناك يلتقونها ويشاركونها الغناء كنوع من الدعم. ولم تتوقف مواهب حسناء عند هذا، فها هي تجيد الألمانية والإنجليزية بطلاقة، إضافة إلى اللغة التركية والسويدية والعبرية على نحو مقبول.
كانت فرحتها الكبيرة منذ اللحظة الأولى التي تمكنت فيها من استكمال دراستها الجامعية في جامعة القدس المفتوحة، وفي هذا تقول: "ألغيت من حياتي وعقلي كلمات: إعاقة، ويأس، ومعاناة، وقررت أن تكون لي شخصيتي من خلال الدراسة، فأريد أن أكون حرة في حياتي من دون قيود، وفقدان البصر لن يقيد حريتي وآمالي في أن أصبح إنسانة متعلمة قادرة على أن تبني نفسها وتسهم في مجتمعها وتشارك في مساعدة أسرتها، فأسرتي دفعت ثمناً قاسياً ولهم علي الحق الكبير، وسأظل عاكفة على تنمية مواهبي في الغناء والعزف وإتقان اللغات".
تشعر حسناء بفخر ومحبة كبيرة لأسرتها الثانية في جامعة القدس المفتوحة، تقول: "تملكني خوف شديد حين التحقت بالجامعة، لكنه سرعان ما تبدد بعد أن اكتشفت مدى الحب والوفاء، بدءاً من مدير فرع الجامعة حتى أصغر موظف فيها، إلى جانب الزملاء الزميلات من الطلبة، فالإدارة غيرت في ترتيب القاعات والصفوف من أجل راحتي وتسهيل تنقلي، أما أعضاء هيئة التدريس فقدموا لي كل مساعدة.. كل ذلك شجعني ورفع معنوياتي وزاد من إصراري على تحقيق النجاح.