طالب من فرع الخليل ينجز مشروعاً متميزاً بعنوان: "سيمائية الرفض والتمرد في لامية الشنفرى"


نشر بتاريخ: 30-12-2017

أنجز الطالب ناصر داود الرجبي من فرع جامعة القدس المفتوحة بالخليل مشروعاً متميزاً بعنوان: "سيمائية الرفض والتمرد في لامية الشنفرى"، بإشراف أ. أسماء عبد القادر شاهين–تخصص اللغة العربية وأساليب تدريسها.
تناول البحث سيميائيّة الرّفض والتّمرّد في لاميّة العرب للشّنفرى، وجاء وفق المنهج السّيميائيّ الذي أسقط الأساليب والتّقنيات السّرديّة الرّوائيّة على نصٍّ شعريّ جاهليّ، واستثمارها نقديًّا وجماليًّا، وذلك بدراسة اللاّميّة وتحليلها دِلاليًا، وكشفِ النِّقاب عن الحالة السّيكولوجيّة الّتي عاشها الشّاعر وآلت به إلى التّصعلك ونظم تلك القصيدة.
تجلّت "السّيميائيّة في أساليب متنوّعة، وانبثق منها سيميائيّات عدّة أضفت على النّصّ الشّعريّ الحركة والحيويّة، وكسرت منه الرّتابة والجمود، وبثّت فيه روح التحدّي والإصرار والرّفض والتّمرّد على كلّ الأعراف والتّقاليد التي كانت سائدة في تلك الحقبة.
وقُسِّم البحث إلى: تمهيد، وفصلين، وخاتمة، تحدّث الفصل الأوّل عن سيميائيّة البنية الشّكلية للّاميّة، من مثل: سيمياء العنوان الرئيس وتجلياته ودلالاته، وسيمياء الشّكل الفنّي من موسيقا وإيقاع، ومدى تأثيرهما في المتلقّي؛ وكذلك سيميائيات الموضوع وترابط كلّ منها بالآخر.
وتطرّق الفصل الثّاني إلى تقنيات البنية السّرديّة في اللاّميّة، فعرج إلى التّقنيات السّرديّة من: انزياح وتكرار، ودقة توظيفهما، وإلى أساليب السّرد من: تهكّم وسخرية، واسترجاع، وحوار داخليّ وخارجيّ، أظهرت كثيرًا من مكامن الشّاعر وشخصيّته، إضافة إلى الحقول الدّلاليّة، الغنيّة بمفاتيح فك شفرات اللاّميّة وإيماءاتها، وربط خيوطها بعضها ببعض.
 
 
أهم النَّتائج التي خلص إليها البحث
 تراءت في هذا البحث سيميائيّات عدّة، تمايزت بالقراءات المتعدّدة والمتأنّية، فحاول البحث إماطة اللّثام عنها، وكشف خباياها وبواطنها؛ وذلك بالتّنقيب عن الدّلالات المغيّبة وتحليلها، وبثّ الحياة فيها، وبعثها من جديد، ونسج الانزياحات بتأويلات ممكنة قدر المستطاع، وكان من أهمّ النّتائج المستخلصة من حنايا هذا البحث الآتي:
*تُعدّ حادثة مقتل والد الشَّنْفَرَى نقطة مفصليّة في تكوين شخصيّته؛ فكان لها أثر كبير في سخطه وغضبه ونقمته من مجتمعه الذي آل به إلى سبي أمِّه، ما ولّد لديه دافعًا قويًّا لاتجاهه نحو الصّعلكة، ومحاولة أخذ الثّأر من قاتلي أبيه.
*إنّ وسم العرب للّاميّة قديمًا بلقب « لاميّة العرب»، والغرب حديثًا بـ« نشيد الصّحراء»، ينمّ عن القيمة الفنيّة والأدبيّة والتّاريخيّة التي تحظى بها هذه اللاميّة، إذ إنّهم وجدوا فيها ضالّتهم ومبتغاهم؛ فهي قصيدة تستنشق عبير الصّحراء، وتحاكي جاهلية العرب بكلّ دقّة وصدق وعفويّة، فلو قدّر لهذه الصّحراء أن تنطق شعرًا فلن يكون ذلك سوى « لاميّة الشَّنْفَرى».
*إنَّ اختيار إيقاع « الطّويل» وزنًا عروضيًا للّاميّة لم يكن اعتباطًا أو وليد صدفة؛ بل عن دراية وقصد، إذ إنّه جاء لتناسبه وطول القصيدة النّسبيّ، وطابعها الجدّيّ، وكذلك لامتيازه بالقوة والجزالة والفخامة والرّصانة التي نلمحها في القصيدة.
*يُحسب للشَّنْفَرَى اعتماده صوت « اللام» رويّـًا للاميّته؛ لأنّه من أكثر الأصوات العربيّة جريانًا على اللّسان، وأكثرها تردادًا، وكذلك في اختيار حركته المضمومة، وبذا تكون قافية القصيدة مطلقة وحركة روّيها مشبعة، فكان لهما تأثير فعّال في البناء الموسيقيّ للقصيدة، ما جعلها تحظى بقدر كبير من التّركيز الصّوتيّ، وسهولة النّطق، ووضوح السَّمع، ترتّب عليه صدىً ورنين موسيقي قويّ جدًا، استثمره الشَّنْفَرَى في إيصال ما يختلج خاطره وذاته.
*يظهر جليًا في اللاميّة تمرّد الشَّنْفَرَى -كما رفاقه الصّعاليك- على منهجيّة القصيدة الجاهليّة، ومعارضة نظامها، فنجده رفض المقدّمة الطّلليّة والوقوف عليها، وكذلك لم يستخدم التّصريع في مستهّل اللاميّة كما ديدن القصائد الجاهليّة، ليتوّج هذا التّمرّد بانتصار وغلبة ضمير ا?« أنا » داخل أبيات القصيدة، في إشارة منه إلى تفرّد شخصيّته واعتزازه بها، و من ثمّ الافتخار بمغامراته وصراعه مع الوحوش الضّارية.
*كان لصورة الذِّئب الرّائعة والبديعة في اللاميّة دور رئيس ومهمّ في نفث وبثّ الشَّنْفَرَى عبرها لآلامه وآهاته وتأوّهه وزفراته، من شدّة الجوع التي يكابدها الصّعلوك على مرّ حياته اليوميّة، في مواربة صريحة جليّة تصف حاله ومآسيه؛ ولكنّه لعزّته وإبائه آثر إسقاطها على مجتمع الذِّئاب دون البشر، لتبقى صورة شخصيّته الحقيقيّة في أذهان النّاس بعيدة كلّ البعد من ذلك.
*تُعدّ اللامية من حيث الألفاظ والجمل كنزًا أثريًا يطلعنا على الأخلاق العربيّة الحميدة، فهي تحمل في بطنها أجنّة لكثير من القيم العربية الأصيلة، من مثل: الشجاعة، والإباء، والوفاء، والحرية والكرم، والمروءة، وغيرها، إضافة إلى تمايزها بقوّة الطّرح، وجودة السّبك، وصدق الشّاعريّة، وطرافة المشاهد المصوّرة.
*وظّف الشَّنْفَرَى «التّقنيات السّرديّة» في لاميّته، من انزياح وتكرار بشكل دقيق ومميّز، فأضفت عليها جمالاً فوق جمالها، وجعلتها أسيرة للتشويق والإثارة والعفويّة والبساطة.
*كان ?«أساليب السّرد»، من  تهكّم وسخرية، واسترجاع، وحوار داخليّ وخارجيّ في اللاميّة مفعول السّحر في بثّ الحياة والديناميّة بين مفرداتها، وتقريب الصّورة إلى ذهن القارئ وإثارة فضوله، وإشغال مخيّلته في تحليل شخصيّة الشَّنْفَرَى من جميع جوانبها، ورسم صورة مقرّبة منها في ذهنه.
*تنوّعت «الحقول الدّلاليّة» للألفاظ في اللاميّة، فكان معجمها زاخرًا وعامرًا بالألفاظ الفريدة والغريبة المعبّرة عن الواقع المعيش، مع غلبة الألفاظ المتضادة فيها، فمقابل تفشّي ألفاظ «الشّجاعة والصّعلكة، والغزو وأدواته»، كان هناك ظهور واضح لألفاظ « الخوف والـجُبن والغباء» المسبوقة دائمًا بنفي، للتأكيد على خلوّها من شخصيّة الشَّنْفَرَى، بالإضافة إلى شيوع ألفاظ «الفقر والجوع والشّقاء» بشكل ملحوظ، لرصد وتبيان مكابدته ومعاناته.
 
 
 
 
 
 
 
 
ما الجديد في البحث؟
يسعى الإنسان إلى تقديم الأفضل دائمًا في شتّى مجالات الحياة، والجديد في هذا البحث هو إسقاط علمٍ حديث (علم السّيمياء) على نصّ شعريّ جاهليّ (لامية العرب للشنفرى)، ليس هذا وحسب، بل ودراستها من منظور الأساليب التّقنيّة والسّرديّة الرّوائيّة، فكانت مزيجًا بين الحداثة والقِدَم، وهجينًا بين الدّراسات اللغويّة من حيث الطّريقة والأسلوب.
 
رسالة للباحثين الشّباب
دعا الرجبي الباحثين الشباب إلى أن يرنوا إلى الجِدّةِ والأصالة في اختيار أبحاثهم، والسّعي الدّائم إلى تقديم ما هو جديد في عالم العلم والمعرفة، وأنْ يثابروا ويجتهدوا في عملية البحث والاستقصاء من أجل أنْ تخرج أبحاثهم على أكمل وجه وأتمّه، وأنْ يتحلّوا بروح التّعاون والمشاركة وتقبّل النّقد، والتّكيّف مع الظروف المحيطة بهم، وأنْ يتطلّعوا إلى تحقيق أهدافهم وطموحاتهم مهما كانت الصّعوبات والتّحدّيات والمثّبطات.