مهدي ويوسف.. رفيقان في الظلمة والطموح


نشر بتاريخ: 26-03-2014


قلقيلية- "ينابيع"- عبيدة الأقرع- بروح التحدي التي لا تقيدها حدود ولا تهزمها التحديات، يصر الطالب في فرع جامعة القدس المفتوحة في قلقيلية مهدي ماهر سويلم على الوقوف صامدًا أمام فقدانه نعمة البصر التي لم ولن تقف عائقًا أمام تحقيق حلمه بالتفوق والنجاح والحصول على شهادة البكالوريوس في تخصص الخدمة الاجتماعية.

كان مهدي الابن الوحيد لامه وأبيه. تسرد أمه: "أنجبت مهدي حين كنت في الشهر السادس من الحمل وكان طفلاً طبيعيًّا لا يلزمه إلا أن يرقد في بيت زجاجي لمدة ثلاثة أشهر حتى يكتمل نموه، لكن خطأ الأطباء الذي جعلهم يضعونه في البيت الزجاجي تحت درجة حرارة لا تناسب طبيعة جسمه جعله يصاب بانفصال في الشبكية ويفقد بصره".

لم ييأس الأهل من رحمة الله، فقد طرقوا كل أبواب المستشفيات والأطباء ذوي الاختصاص، إلى أن جاء الوقت الذي أكد لهم الأطباء أن الأمل مفقود في عودة البصر لولدهم الوحيد.

 

طفولته

دخل مهدي رياض الأطفال كمستمع ثم التحق بمدرسة النور للمكفوفين في جنين وهو في السادسة من عمره، وتعلم لغة "بريل"، إلا أنه لم يرغب في الابتعاد عن والدته التي ساندته في قراره بعدم العودة للمدرسة لأنه وحيدها ولا تريده أن يفعل ما لا يريد، لكنه عندما وصل لسن 11 عامًا، أيقن أن حياته بلا معنى، فقرر العودة للمدرسة في جنين وأتقن مبادئ القراءة والكتابة، وبقي هناك حتى أنهى الصف السادس الأساسي، إلى أن افتتحت مدرسة المكفوفين في قلقيلية فأكمل فيها حتى الصف العاشر ودرس الصف الحادي عشر والثانوية العامة التي حصل فيها على معدل 76.4% في مدرسة السعدية الثانوية للبنين.

 

مسيرته في "القدس المفتوحة"

اختار مهدي "القدس المفتوحة" كخيار أول من بين باقي الجامعات، لأنه رأى فيها سكينة، ونظام التعليم فيها "التعليم المفتوح" ملائم لحالته، ولوجود عناية خاصة له فيها، لذا التحق بها لدراسة تخصص الخدمة الاجتماعية. ويتابع: "توفر لي الجامعة المادة الدراسية بلغة بريل وتركيز الهيئتين الإدارية والأكاديمية على تقديم الأفضل لي ومراعاة وضعي جعلني غير نادم على قراري".

 

رسالته

وبقدر حرصه على الحصول على العلم، فإن مهدي شكل حضورًا فاعلاً في المجتمع ليقدم صورة أخرى مما يمتلكه من ميزة القدرة على الإبداع، ولتكون له بصمة وحضور، ووفرت له الجامعة كما يقول كل الإمكانات لإيصال صوته ورسالة المكفوفين للمجتمع، التي فحواها أن فقدان نعمة البصر لا يلغي الطاقة، وأن المكفوفين يمتلكون مواهب وقدرات وإمكانات يعجز عنها الأشخاص العاديون".

 

ليس الوحيد

الطالب في فرع "القدس المفتوحة" في قلقيلية الكفيف يوسف أبو عصب يشارك أيضًا في الأنشطة واللقاءات المجتمعية والدورات التي تنظم لتعزيز دورهم وصقل شخصيتهم وإبراز موهبتهم.

يقول يوسف: "أشعر بسعادة كبيرة كلما شاركت في نشاط وفعالية رغم الصعوبة التي أواجهها بسبب عدم رؤيتي لمن حولي، إلا أنني قررت ألا أجعل من فقدان البصر عائقًا أمام طموحي، فالتحقت بجامعة القدس المفتوحة التي كانت لي خير مرشد ودليل، وما يزيد من قوتي وعزيمتي التفهم الكبير والدعم غير المحدود من جامعتي التي تحمل على عاتقها رعاية كل مكفوف يلجأ لطلب العلم فيها".

 

لا يوجد علاج

حظي يوسف بدعم أسرته في كل مراحل حياته، حيث إنه ينتمي لأسرة مكونة من أحد عشر شخصًا، ولد يوسف فاقدًا للبصر نتيجة عوامل وراثية، إذ إن له أخًا آخر يعاني من حالته نفسها، ورغم وضع الأسرة المادي الصعب، كون رب العائلة بالكاد يوفر مستلزمات الحياة، رفضت العائلة الاستسلام للأمر الواقع، وواصلت البحث عن علاج، والصدمة القاسية كانت عندما أبلغهم الأطباء أنه لا أمل في رجوع بصره، لكن لم ينل هذا من عزيمة الأهل وإصرارهم على تحمل الظروف القاسية.

 

دراسته أولوية

قررت عائلة سوف إلحاقه بمدرسة حكومية كمستمع في الصفين الأول والثاني، ثم ألحقته بمدرسة النور للكفيف في جنين حتى عام 2007، ثم انتقل إلى مدرسة الكفيف في قلقيلية ليدرس حتى الصف العاشر، ثم اجتاز الصفين الحادي عشر والثانوية العامة بمدرسة السعدية الثانوية للبنين، ليصل أخيرًا إلى مقاعد جامعة القدس المفتوحة في قلقيلية.

يشعر يوسف بفخر ومحبة كبيرة لأسرته الثانية في الجامعة، ويقول: "رغم خوفي الشديد عندما التحقت في الجامعة من عدم تأقلمي مع الوضع الجديد، لكن سرعان ما اكتشفت مدى تعاطف الإدارة مع حالتي أنا وصديقي مهدي ومحاولاتهم الدؤوبة في تهيئة الأجواء المناسبة لنا خلال المحاضرات والامتحانات".